هذا اليوم الذي
لايشكل علامة فارقة في تاريخ مصر فحسب ، ولكن في تاريخ المنطقة ، التي لم
تشهد شيئا مماثلا منذ سقوط الخلافة ، ودخول المستعمر الأوربي أرضها ليعمل
فيها أقلامه ومقصاته
إنها أجيال جديدة ظنّ الطغاة أنهم تمكنوا منها في مسيرتهم للقضاء على
الذاكرة الجماعية للشعوب ، وتمويه الحقائق ، وتزييف الباطل، ونسوا قضيتين
حيويتين ، أولهما أن الشعور بالكرامة هو فطرة لدى الإنسان ، لاتتعلق بمحو
ذاكرة الشعوب أو إثباتها ، وأن مطلب الحرية قد يتفوق وكثيرا لدى الشعوب على
مطلب الخبز والأمن ، لأنهما أصلا مرتبطان به ، ارتباطا وثيقا لاينفك ولو
ظن الطغاة غير ذلك.
وتعتبر هذه الثورة
المصريه المجيدة ، مؤشرا بالغ الأهمية على تغيير حقيقي في الساحة الشعبية
والاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية ، ودليلا قاطعا على أن التغيير
قادم لامحالة ، وعلى أن الأجيال الجديدة من شعوب المنطقة ، والتي ولدت في
ظل أنظمتها الطغيانية القمعية ، ولاتعرف غيرها ، هي الأجيال التي ستحمل
راية التغيير هذه ، وبأساليب سلمية جديدة كل الجدة على هؤلاء الطغاة ،
الذين ألِفَهم الجيل القديم وألِفوه ، فلايملك إلا الصمت عنهم والصبر
القبيح على أفعالهم الشائنة ، أوتفجيرهم وتكفيرهم ، ولايملكون إلا سحله
وتكميمه ، أوشنقه و نفيه
ولقد أسدى النظام البائد إلى شعبه واحدة من أعظم الخدمات ، وذلك من خلال
تأسيسه جيشا قويا سليما ، لم يكن عقائديا ، ولم يكن متشكلا من مجموعة من
المرتزقة هدفهم حماية النظام ، ولم تجرثمه التشكيلات الطائفية أو الحزبية ،
وضعته الدولة في خدمة الشعب ، فكان مع الشعب في تشجير الصحراء ، وفي معركة
النظام والنظافة والبناء ، كما كان معه في تلك الساعة العصيبة التي قرر
فيها هذا الشعب أن ينهي ذلك الحكم الذي لم يعرف كيف يكرم نفسه وشعبه
حياكم الله أيها المصريين الشجعان ، حياكم الله من شعب قوي مناضل أمين ،
لقد رفعتم رؤوسنا ، وبيضتم وجوهنا ، وملأتم قلوبنا بالأمل الذي طالما كتبنا
من أجله ، ورويتم أرواحنا بعبق المستقبل الجميل ، مستقبل منطقة تمور
بالظلم والقهر ، وتتطلع اليوم إليكم من محيطها إلى خليجها لتتعلم منكم
الدروس العظيمة ، كيف تكون الثورات ، وكيف تكون الحياة ، وكيف يستطيع شعب
أن يصنع التغيير دون سفك دماء ، ولو كان الطغيان مستعدا لسفك دماء كل أبناء
هذا الشعب ليبقى ملتصقا بكرسيه.